الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.الخبر عن حادثة طرابلس واستيلاء النصارى عليها ثم رجوعها إلى ابن مكي: كانت طرابلس هذه ثغرا منذ الدول القديمة وكانت لهم عناية بحمايتها لما كان وضعها في البسيط وكانت ضواحيها قفرا من القبائل فكان النصارى أهل صقلية كثيرا ما يحدثون أنفسهم بملكها وكان ميخائيل الأنطاكي صاحب أسطول رجار قد تملكها من أيدي بني حزروق من مغراوة آخر دولتهم ودولة صنهاجة كما ذكرنا ثم رجعها ابن مطروح ودخلت في دعوة الموحدين ومرت عليها الأيام إلى أن استبد بها ابن ثابت ووليها من بعده ابنه في أعوام خمسين وسبعمائة منقطعا عن الحضرة ومقيما رسم الدعوة وكان تجار الجنوبيين يترددون إليها فاطلعوا على عوراتها وائتمروا في غزوها واتعدوا لمرساها فوافوه سنة خمس وخمسين وانتشروا بالبلد في حاجاتهم ثم بيتوها ذات ليلة فصعدوا أسوارها وملكوها عليهم وهتف هاتفهم بالحرب وقد لبسوا السلاح فارتاعوا وهبوا من مضاجعهم فلما رأوهم بالأسوار لم يكن همهم إلا النجاة بأنفسهم ونجا ثابت بن محمد مقدمهم إلى حلة الجوار في أعراب وطنها من دباب إحدى بطون بني سليم فقتل لدم كان أصابه منهم ولحق أخويه بالإسكندرية واستباحها النصارى واحتملوا في سفنهم ما وجدوا بها من الخرثي والمتاع والعقائل والأسرى وأقاموا بها وداخلهم أبو العباس بن مكي صاحب قابس في فدائها فاشترطوا عليه خمسين ألفا من الذهب العين فبعث فيها لملك المغرب السلطان أبي عنان يطرفه بمثوبتها ثم تعجلوا عليه فجمع ما عنده واستوهب ما بقي من أهل قابس والحامة وبلاد الجريد فجمعوها له حسبة ورغبة في الخبر وأمكنه النصارى من طرابلس فملكها واستولى عليها وأزال ما دنسها من وضر الكفر وبعث السلطان أبو عنان بالمال إليه وأن يرد على الناس ما أعطوه وينفرد بمثوبتها وذكرها فامتنعوها إلا قليلا منهم ووضع المال عند ابن مكي لذلك ولم يزل ابن مكي أميرا عليها إلى أن هلك كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى..الخبر عن بيعة السلطان أبي العباس أمير المؤمنين ومفتتح أمره السعيدة بقسنطينة: كان الأمير أبو زيد قد ولي الأمر من بعد أبيه الأمير أبي عبد الله بولاية جده الخليفة أبي بكر وكان إخوته جميعا في جملته ومنهم السلطان أبو العباس أمير المؤمنين لهذا العهد والمنفرد بالدعوة الحفصية من لدن مهلك أبيهم يرون الوراثة لهم وإن الأمر فيهم حتى لقد يحكى عن شيخ وقته الولي أبي هادي المشهور الذكر وكان من أهل المكاشفة أنه قال ذات يوم وقد جاؤا لزيارته بأجمعهم على طريقهم وسنن أسلافهم في التبرك بالأولياء فدعا لهم الشيخ ما شاء الله ثم قال: البركة إن شاء الله في هذا العش وأشار إلى الإخوة مجتمعين وكان الحذاق والمنجمون أيضا يخبرون بمثلها ويحومون بوطنهم على أبي العباس منهم لما يتفرسون فيه من الشواهد والمخايل فلما كان من منازلة أخيه أبي زيد بتونس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ما قدمناه ثم ارتحل عنها إلى نفطة وأراد الرجوع إلى قسنطينة للارجاف يسائل السلطان أبا عثمان وأنه زحف إلى آخر عمله من تخوم بجاية رغب إليه حينئذ أولاد مهلهل أولياؤه من العرب وشيعته حاجبه أبو العباس بن مكي صاحب عمل قابس وجربة أن يستعمل عليهم من إخوته من يقيم معهم لمعاودة تونس بالحصار فسرح أخاه مولانا أبا العباس فتخلف معهم لذلك وفي جملته شقيقه أبو يحيى فأقاما بقابس.وكان صاحب طرابلس محمد بن ثابت قد بعث أسطوله لحصار جربة فدخل الأمير أبو العباس بمن معه الجزيرة وخاضوا إليها البحر فأجفل عسكر ابن ثابت وأفرجوا عن الحصن ثم رجع السلطان إلى قابس وزحف العرب أولاد مهلهل إلى تونس وحاصروها أياما فامتنعت عليهم ورجع إلى أعمال الجريد وأوفد أخاه أبا يحيى زكريا على السلطان صريخا سنة خمس وخمسين وسبعمائة فلقاه مبرة ورحبا وأسنى جائزته وأحسن وعده وانكفأ راجعا عنه إلى وطنه ومر بالحاجب أبي عمر عند إفراجه عن قسنطينة ولحق بأخيه بمكانه من قاصية أفريقية واتصلت أيديهما على طالب حقهما.وفي خلال ذلك فسد ما بين أبي محمد بن تافراكين صاحب الأمر بتونس وبين خالد ابن حمزة كبير أولاد أبي الليل فعدل عنه إلى أقتاله وأولاد مهلهل واستدعاهم لمظاهرة فأقبلوا عليه وتحيز خالد إلى السلطان أبي العباس وزحفوا معه إلى تونس فنازلوها سنة ست وخمسين وسبعمائة وامتنعت عليهم وأفرجوا عنها واستقدمه أخوه أبو زيد إثر ذلك لينصره من عساكر بني مرين عند ما تكاثفوا عليه وضاق به الحصار واستخلف على قسنطينة أخاه أبا العباس فدخلها ونزل بقصور الملك منها وأقام بها مدة وعساكر بني مرين قد ملأت عليه الضاحية فدعاه الأولياء إلى الاستبداد وأنه أبلغ في المدافعة والحماية لما كانوا يتوقعون من زحف العساكر إليهم من بجاية فأجاب وبويع شهر من سنة ست وخمسين وانعقد أمره وزحف عبد الله بن علي صاحب بجاية إلى قسنطينة من سنته وفي سنة سبع بعدها فحاصرها ونصب المجانيق ثم أجفل آخر الأرجاف كما ذكرناه وتنفس مخنق الحصار عن قسنطينة وكان الأمير أبو زيد أخوه لما ذهب مع خالد إلى تونس ونازلها امتنعت عليه ورجع وقد استبد أخوه بأمر قسنطينة فعدل إلى بونة وراسل أبا محمد بن تافراكين في سكنى الحضرة والنزول لهم عن بونة فأجابه ونزل عنها الأمير أبو زيد لعمه السلطان أبي اسحق وتحول إلى تونس فأوسعوا له المنازل وأسنوا الجرايات والجوائز وأقام في كفالة عمه إلى أن كان من أمره ما نذكره والله أعلم.
|